
- الكاتب: أنطون تشيخوف
- ترجمة: الجوهرة العجاجي
- تدقيق: راشد التميمي
ما بين الساعة الثامنة والتاسعة صباحًا زحفت كتلة من السحب القاتمة باتجاه الشمس، وشرارات من البرق تخترق تلك السحب وتومض هنا وهناك. صوت هادر قادم من بعيد. ونسيم دافئ يداعب العشب ويحرك أغصان الشجر ويثير بعض الغبار.
في غضون دقيقة سيبدأ مطر أيار بالسقوط غزيرًا وستبدأ حينها عاصفة قوية.
فيوكلا طفلة متسولة بعمر السادسة تركض في أرجاء القرية باحثة عن ترينتي –الإسكافي-. الطفلة ذات الشعر الأبيض تبدو شاحبة الوجه وحافية الأقدام، شفتاها ترتعشان وعيناها تتسعان من الخوف.
“أين ترينيتي يا عماه؟” كانت الطفلة تسأل كل شخص تقابله في طريقها، ولا أحد يجيبها. جميعهم مشغولون باللجوء إلى أكواخهم ليتحصنوا من العاصفة التي بدأت تقترب. التقت أخيرا بسيلانتي سيليتش؛ صديق ترينيتي المقرّب وكاتم سرّه. أقبل وهو يقاوم ريحًا قوية. فسألته فيوكلا: “أين ترينيتي يا عماه”؟
أجابها سيلانتي: “إنه في حديقة المطبخ”.
ركضت الطفلة المتسولة خلف الأكواخ باتجاه حديقة المطبخ وهناك وجدت ترينيتي؛ رجلًا فارعَ الطولِ بوجهٍ نحيل ومليء بالندبات. ساقاه طويلتان جدا، وكان حافيَ القدمين. كان يقف بجانب مزارع الخضار مرتديا سترة نسائية مهترئة. ينظر بعينين مخمورتين وناعستين تتحلقهما غمامتان من السواد. ساقاه طويلتان جدا كانتا تتمايلان مع الريح كساقَي طائر الزرزور.
خاطبت الفتاة المتسولة ذات الشعر الأبيض ترينتي وأخذت تناديه “عم ترينتي” “عمي العزيز”!
انحنى ترينتي لفيوكلا، وقد رسم ابتسامة حانية على ملامح وجهه المخمور، كتلك التي ترتسم على وجوه الناس حين يرون شيئًا صغيرًا وتافهًا لكنه في غاية اللطف.
تنهد ترينتي وأخذ يتمتم بلطف “آه عبد الله! فيوكولا من أين أتيتِ؟!
أخذت فيوكولا تجر بتلابيب معطف الإسكافي وهي تبكي وتقول: “عم ترينتي” لقد حصلت حادثة لأخي دانيلكا أرجوك تعال معي!
قال ترينتي: “حادثة من أي نوع بحق الرب؟ تقدس الرب أي نوع من الحوادث تقصدين؟”
“بينما كنا نلعب لعبة الاستغماية؛ انحشرت يد دانيلكا داخل ثقب في شجرة ولم يستطع إخراجها. تعال معي يا عمي وكن لطيفًا وساعده في إخراج يده العالقة.
“ما الذي جعله يدخل يده داخل الشجرة؟”
“لقد كان يريد أن يُخرج بيضة الوقواق من أجلي”
قال ترينتي: “مازال اليوم في بدايته وأنتم في ورطة منذ الآن”! نفض ترينتي رأسه وبصق جانبًا بنفس متأنية وأخذ يقول: “لا بد أن أذهب إليه لا بد أن أذهب، عسى أن يأكلكم الذئب أيها الأطفال المشاكسون! تعالي معي لنذهب، أيتها اليتيمة الصغيرة”
خرج ترينتي من حديقة المطبخ، وهو يرفع ساقه الطويلة عاليًا ويبدأ يشق طريقه في شوارع القرية بخطواته الواسعة.
انطلق مسرعا دون توقف ودون أن ينظر لجانبي الطريق كما لو أن أحدا كان يلاحقه أو أن أحدا قد دفعه من الخلف!
بالكاد استطاعت فيوكلا اللحاق به..
لقد خرجوا من القرية وسلكوا الطريق الترابي باتجاه الغابة التي تلوح زرقتها الداكنة من بعيد.
إنها تبعد عنهم قرابة الميل والنصف. تغطت الشمس بالغيوم وشيئا فشيئا لن يبقى هناك أي أثر للزرقة في السماء وستتشح السماء بالسواد.
تتمتم فيوكلا وهي تحاول اللحاق بترينتي: ” يا رب يا رب يا رب” وتسقط أول قطرة للمطر، قوية وثقيلة فتترك نقطًا سوداء على الطريق الترابي.
تسقط قطرة كبيرة على وجه فيوكلا وتسيل كدمعة على خدها.
بدأ المطر بالنزول، فانزعج الإسكافي وأخذ يركل الغبار بقدمه الغليظة ثم قال لفيوكلا: لا بأس يا فيوكلا أيتها الفتاة العجوز؛ هذا العشب يتغذى على المطر كما نتغذى نحن على الخبز. وأما صوت الرعد فلا يستدعي الخوف يا صغيرتي؛ فما حاجته في أن يقتل شيئًا صغيرًا مثلك؟
ما إن نزل المطر حتى هدأت الريح ولم يعد لها صوت. لم يعد يُسمع إلا صوت ارتطام المطر بالأرض والذي كان أشبه بصوت طلقات الرصاص حين تخترق حقل الشعير اليابس المتعطش للمطر.
يتمتم ترينتي: “سوف يبلل المطر أجسادنا يا فيوكلا، ولن يتبقى فينا أثر لبقعة جافة!” قال ترينتي وهو يرتعش فجأة: “أوه يا فتاتي، الماء ينزل على رقبتي!
.. “لكن لا تكوني سخيفة فلا داعي للخوف…قريبًا سيجف العشب، وتجف الأرض، وسوف تنشف أجسادنا من جديد.. لهذا خُلقت الشمس لنا جميعًا.”
ثمة وميض من البرق طوله 14 قدما يلمع فوق رؤوسهم تبعه أصوات رعد مجلجلة. وفي لحظة بدا لفيوكلا أنها رأت شيئا هائلًا وغزيرًا يموج في السماء؛ كان فوق رأسها تماما.
“سبحان القدوس، سبحان القدوس…” أخذ ترينتي يسبح ويصلي لله، ثم قال: “لا تخافي أيتها اليتيمة الصغيرة! الرعد لا يدل على صوت غاضب من السماء”
تغطت أقدام فيوكلا وترينتي بكتل ثقيلة من الطين اللزج. الأرض زلقة وعسيرة على السير بالأقدام، لكن ترينتي واصل سيره مسرعًا بخطواته الواسعة.
بدت الفتاة الهزيلة تفقد أنفاسها ومستعدة للاستسلام في أي لحظة، لكنهم سرعان ما وصلوا إلى الغابة.
الأشجار التي اغتسلت بالمطر للتو، تحركها عاصفة من الرياح، فتنزل بقايا المطر على الأوراق كشلال بدا في غاية الجمال. تتعثر أقدام ترينتني بجذع شجرة على الأرض، ويبدأ في تخفيض خطواته ويبطئ في المسير.
سأل ترينتي: “أين هو دانيلكا؟” “أوصليني إلى مكانه”.
أخذت فيوكلا تقوده إلى مكانه، وبعد أن قطعا قرابة ربع ميل، أشارت فيوكلا بأصبعها إلى مكان دانيلكا.
هناك بجانب الشجرة، كان يقف شقيقها، ذو الأعوام الثمانية، متكئًا بشعره الأحمر كلون الرمل المصفر، وبياض بشرته الشاحبة. كان يميل برأسه جانبا وينظر إلى السماء. كان يمسك بيده قبعته المتهالكة، ويده الأخرى عالقة داخل شجرة الليمون العتيقة.
بدا الصبي منشغلًا بالتحديق في السماء المظلمة متناسيًا ما هو فيه من مأزق.
يستمع لخطى الإسكافي وهو يقترب نحوه بابتسامة صفراء، فيسبقه بقوله:
” أصوات رعد مخيفة ياترينتي! لم أسمع في حياتي أصوات رعد مخيفة كهذه!”
“وأين هي يدك؟”
“إنها عالقة هنا داخل هذه الفتحة.. أخرجها أرجوك”
“الخشب متكسر في جوانب الفتحة ومصطك على يد دانيلكا، باستطاعته أن يدخل يده أكثر لكنه لا يستطيع إخراجها.
أخذ ترينتينيي ينزع الأطراف المتكسرة من الخشب داخل الفتحة وأخيرا أخرج يد الصبي المنتفخة والمحمرة.
أخذ الصبي يفرك يده وهو يعيد الحديث عن الرعد: “كم كان صوت الرعد مخيفا.. كيف يحدث الرعد ياترينتي؟”
أجابه الإسكافي:
يحدث هذا حين تتواجه سحابة مع سحابة أخرى.
خرج الثلاثة من الغابة متجهين إلى الطريق المظلم، بينما يتلاشى صوت الرعد خلفهم شيئا فشيئا حتى أصبح صوته بعيدا في آخر الغابة.
قال دانيلكا وهو ما زال يفرك يده: “لقد هاجر البط إلى هنا بالأمس يا ترينتني” “لا بد أنه قد بنى أعشاشه فوق مستنقعات نيليا زايمشتشا. هل تودين أن أريكِ عش العندليب يا فيوكلا؟”
قاطعه ترينتي وهو يعصر قبعته المبللة: “لا تلمسها! فقد تتسبب في إزعاجها.” “العندليب من الطيور المغرّدة التي ليس لها خطيئة. لقد وهب الله له صوتًا ليسبح الإله. إنها خطيئة أن تتسبب في إزعاجه.”
“ماذا عن العصفور؟”
“دع عنك العصفور، فهو طائر حقود. يسير كالنشال في طريقه، ولا يحب أن يرى الإنسان سعيدًا. حين صلب المسيح كان هو من أحضر المسامير لليهود وهو يصرخ “حيّ! حيّ!”
غيوم متراكمة تتلألأ في السماء..
انظر يا ترينتي إنه بركان من النمل! لقد غمرتهم مياه المطر وخشُوا من الغرق، يا لهم من أشقياء!
انحنى الجميع نحو بيت النمل ووجدوا أن المطر قد هدم بيوتهم، وبدؤوا يندفعون بالخروج من الوحل بارتباك شديد، محاولين إخراج بقية رفقائهم قبل أن يغمرهم المطر.
علّق ترينتي بسخرية على ما يشاهده: “لم تكونوا بحاجة أن تخوضوا شيئا كهذا، فلن يكون هذا سبب هلاككم. ريثما تحتمون بالشمس سيعود إليكم رشدكم مرة أخرى. فهذا درس لكم، ما كان يجب لكم أن تسكنوا في أرض خفيضة مرة ثانية، أيها الحمقى.
انظر، ها هم يواصلون سيرهم..
صرخ دانيلكا وهو يشير إلى غصن شجرة بلوط صغيرة: “انظروا هناك بعض النحل!”
بدا النحل الرطب مزهوا بنفسه وهو ملتم حول غصن الشجرة، كان هناك الكثير منهم إلى حد أنه لم يعد يُرى أثر لأي لحاء أو لأي ورقة على الغصن! الكثير منهم متكدسون فوق بعضهم.
يبدأ ترينتي بشرح ما يرونه بقوله: “هذا سرب من النحل. قد كانوا في رحلة بحث عن ملجأ، وحين هطل المطر استقروا في مكانهم. حين ترى أسراب النحل تطير فلست بحاجة إلا أن ترش القليل من الماء فوقهم حتى يثبتوا في مكانهم. وإن أردت الحصول على هذا السرب؛ فليس عليك سوى أن تكسر الغصن داخل كيس، ثم سيتساقطون فيه جميعا”
تجهمت فيوكلا الصغيرة فجأة، وهي تهرش خلف رقبتها بشدة. نظر إليها أخوها فرأى تورما شديدا خلف رقبتها.
قال ترينتي وهو يضحك: “مهلا فيوكلا أيتها الفتاة العجوز؛ هل تعلمين كيف حدث لك هذا؟”
هناك ذباب أسباني يعيش على بعض الأشجار هنا في الغابة. وحين تساقطت حبات المطر عليهم نزلت بقايا قطرة مطر خلف رقبتك ولهذا تورمت.
بدا شعاع الشمس متوهجا خلف الغيوم. وسرعان ما غمرت الشمس الغابة والحقول والأصدقاء الثلاثة بدفء ظلالها. وارتحلت السحب المظلمة بعيدًا، حاملة معها العاصفة. هدأ الهواء، وهب نسيم بارد تفوح منه رائحة الكرز والعشب وزنابق الوادي.
قال ترينتي وهو يشير إلى عشبة وبرية: “هذه العشبة تعطى لمن يصاب بالرعاف، إنها جيدة”
فجأة يُسمع صوت صافرة وجلبة شديدة، لكن لم تكن بشدة صوت تلك العاصفة التي ارتحلت مع الغيوم.
يمر أمام عيني ترينتي ودانيلكا وفيوكلا قطار للبضائع. يسير مسرعًا ويخرج منه دخان أسود. يجر خلفه ما يزيد على عشرين عربة. قوته الهائلة أبهرت الصغار وجعلتهم يتساءلون كيف يمكن للجماد أن يسير ويجر أوزانا ثقيلة كهذه معه دون أن تساعده الخيول في جرها. فيتولى ترينتني الشرح لهم بقوله: “إنها قوة البخار أيها الصغار. إنه يعمل بالبخار. كما ترون، إنه يحرك ذلك الشيء أسفل العجلات.. وهو.. كما ترون… إنه يعمل”
عبر الثلاثة من فوق سكة الحديد ونزلوا من فوق الجسر باتجاه النهر. لم يستعينوا بأي أداة ترشدهم للطريق، فقد كانوا يسيرون بلا وجهة معينة ومنهمكين بالحديث طَوال الطريق.
كان دانيلكا يطرح الأسئلة، وترينتي يجيبه عليها.
كان ترينتي يجيب على جميع أسئلته دون تردد، فلم يكن يجهل أي سرّ من أسرار الطبيعة. كان يعرف كل شيء. فعلى سبيل المثال، كان يعرف كل أسماء الأزهار البرية، والحيوانات، وأنواع الصخور. كان يعرف أيّ نوع من الأعشاب يعالج الأمراض. كان لا يجد صعوبة في تحديد عمر بقرة أو حصان قد يجدهما أمامه.
كان يعرف كيف سيكون عليه الطقس في اليوم التالي فقط بالنظر إلى الغروب أو إلى القمر، أو حتى بالنظر إلى الطيور.
وبالطبع لم يكن ترينتي الوحيد الذي يمتلك هذه البراعة، بل كان هناك سيلانتي سيليتش، كاتم أسراره، وحارس السوق أيضا، والراعي، بل وجميع القرويين الذين يقطنون القرية يمتلكون ما يمتلكه ترينتي من المعرفة.
لم يحصد هؤلاء الناس معرفتهم من الكتب، بل من ميادين الحقول والغابات وفوق ضفاف النهر.
كان مدرسوهم هم من الطيور ذاتها حين تغني لهم في الصباح، ومن الشمس حين تتوهج بلونها القرمزي الساطع وقت الغروب، ومن الأعشاب البرية ومن الأشجار.
كان دانيلكا ينظر لترينتي وهو يتعطش للمزيد عند كل كلمة يقولها.
في فصل الربيع، وقبل أن يعتاد المرء على دفء الطقس، وقبل أن يتشبع من رؤية الحقول الخضراء، أي حين يكون الربيع في بداياته وحين يكون كل شيء نقيًا وشديد الخضرة وتفوح منه رائحة العشب. من الذي لن تروقه حينها، سماع قصص عن الخنافس الذهبية؟ أو عن طيور الزقزاق؟ أو عن خرير جداول الماء؟ أو عن حصاد الذرة حين يتحول إلى تلال من الكيزان؟
كان الاثنان الصبي اليتيم والإسكافي، مستغرقَينِ في الحديث وهما يتجولان في الحقول دون أن يعتريهما الضجر.
كان باستطاعتهم التأمل معًا في هذا العالم للأبد، وهم يتغنون بجمال الأرض لم يلحظوا تلك اليتيمة الصغيرة المسكينة وهي تتعثر خلفهم.
بدأت الصغيرة تفقد أنفاسها وهي تسير بخطوات ثقيلة.
الدموع تملأ عينيها، ودت لو أن باستطاعتها قطع سيرهم الذي لا يكاد أن ينتهي. لكن إلى أين ستذهب وإلى من ستلجأ؟ فلا بيت لها ولا أهل تحتمي بهم. فما تدري إن كان الأمر سيروق لها أم لا، فستضطر مرغمة على إكمال السير معهم، والسماع لحديثهم.
قبيل منتصف النهار، جلس الثلاثة على ضفة النهر. أخرج دانيلكا قطعة من الخبز كانت معه في كيس. أصبحت مهروسة بعد أن نقعوها ثم بدؤوا بالأكل. تلا ترينتي بعض الصلوات بعد فراغه من أكل الخبز، ثم تمدد على الرمل وخلد إلى النوم.
بينما كان نائما أخذ الصبي يتأمل وجهه على صفحة النهر، فلديه الكثير من الأشياء ليفكر بها.
كان قد شهد العاصفة، ورأى النحل والنمل والقطار. وها هو الآن يرى أمام عينيه السمك وهو يتحرك في الماء. كان يبلغ طول بعضها بوصتين أو أكثر، والبعض الآخر يكاد يبلغ طوله طرف الأصبع! ثمة أفعى تقطع ضفة النهر، بدا رأسها ظاهرا فوق الماء.
وعندما حان المساء عاد الجوالة إلى القرية. سيقيم الأولاد ليلتهم في حظيرة مهجورة، كان أهل القرية قد وضعوها مخزنا للذرة. بينما ترينتي يتركهم ذاهبًا إلى الحانة.
استلقى الأولاد على القش وبدؤوا بأخذ غفوتهم. لم ينم الصبي، فقد كان يحدق في الظلام، وتراءت له خيالات عديدة تشبه كل ما رآه خلال اليوم. السحب الرعدية والشمس المتوهجة والطيور والأسماك وقامة ترينتي النحيلة!
كانت الخيالات العديدة وشعوره بالظمأ والجوع فوقها شيء لا يحتمل. كان جسده مشتعلًا من الحر ككرة مشتعلة يُقذف بها من جانب لآخر. كان يود لو أن أحدًا كان بجانبه فيستطيع إخباره بكل ما يراه من خيالات تطارده في الظلام وتربك عقله. لكن لم يكن هناك أحد. ففيوكلا لا زالت صغيرة جدًا، ولن تستطيع فهم ما يحدث.
قرر الصبي أنه سيخبر ترينتي بكل ما رآه في الغد. خلد الأولاد إلى النوم وهم يفكرون بذلك الإسكافي المشرد. وفي نفس الليلة يأتي إليهم وهم نائمون. يرسم إشارة الصليب فوقهم ويضع الخبز تحت رؤوسهم. لم يكن أحد يعلم بهذا الحب الذي كان يغمره في صدره سوى القمر الساطع في السماء، والذي يتسلل نوره بهدوء بين فتحات الحظيرة المهجورة.