
- الكاتب: مارك توين
- ترجمة: رزان العيسى
- تدقيق: راشد التميمي
يبدو أن أطفال هذه الأيام لديهم طريقة وقحة وغير مقبولة في قول أمور “ذكية” في المناسبات، وخاصة تلك المناسبات التي يتعين عليهم ألا يقولوا شيئًا. وعند الحكم بمتوسط الأقوال الذكية المنشورة؛ فإن الجيل الصاعد من الأطفال أفضل بقليل من الأغبياء. ويجب أن يكون الآباء أفضل من الأطفال بقليل بكل تأكيد، فهم غالبًا ما يكونون الناشرين لوميض العاهات الطفولية، تلك التي تبهر صفحات حياتنا. قد يتراءى لكم أنني أتحدث بشيء من الغضب، أو بشيء من الحقد الشخصي، وإنني لا أنكر أنني أغتاض عند السماع عن العديد من الأطفال الموهوبين في هذه الأيام، وأتذكر أنني نادرًا ما قلت شيئًا ذكيًا عندما كنت صغيرًا، حاولت مرة أو مرتين، لكنها لم تحدث صيتًا.
لم تتوقع العائلة أي تعليقات ذكية مني؛ لذلك زجروني مرات، وضربوني مرات كثيرة. لكن جلدي كان يقشعر ودمي كان يجف عند التفكير فيما قد يحدث إن تجرأت ونطقت بالأشياء الذكية التي يتحدث بها جيل “السنوات الأربع” واستمع إليها أبي -ببساطة- لسلخني حيًا ولاعتبر واجبه في النهاية جريمة متساهلة ضد شخص مخطئ.
كان أبي رجلاً صارمًا وعبوسًا، يكره كل أشكال النضج المبكر. فلو ذكرت شيئًا من الأشياء التي ذكرتها آنفا تحت مسمعه، لدمرني.. لدمرني بالفعل. لدمرني إن بقيت بين يديه الفرصة لفعل ذلك. لكنها لن تبقى بين يديه، لأنني أملك الرشد الكافي لتناول مادة الإستركنين السامة أولًا، ثم البوح بالشيء الذكي بعد ذلك. تلطخ سجل حياتي النظيف بتورية واحدة. والتي سمع بها والدي، فلاحقني لأربع قرى أو خمس ليسلب حياتي. لو أنني كنت بالغًا تمامًا، بالطبع لكان على حق، لكنني كنت طفلاً ولم أعلم مدى خباثة الشيء الذي قلته..
تحدثت بتلك التعليقات التي تسمى ب”أمور ذكية” قبل ذلك، ولم تكن تورية. لكنها تسببت بقطع رحم خطير بيني وبين والدي. حضر الحادثة كل من أمي وأبي وخالي إفرايم وزوجته وشخص أو شخصان موجودان، وكانت المحادثة تدور حول اختيار اسم لي.
كنت مستلقيًا أجرب الحلقات المطاطية ذات الأشكال المختلفة، ساعيًا لتكوين مجموعة، لأنني تعبت من عض أصابع الناس بأسناني. هل لاحظت من قبل كم هو مزعج أن تعض أصبع ممرضتك بأسنانك، أو كم كان يقصم الظهر ويهلك أن تعض أصبعك الكبير؟ أو أن صبرك نفِدَ قبل أن يخرج نصفها، وتمنيت أنك لا تمتلك أسنانًا؟ بالنسبة لي كأن كل هذا حدث بالأمس. وقد حدث هذا لبعض الأطفال، لكنني سأستطرد في كلامي.
كنت مستلقيًا أجرب الحلقات المطاطية، أتذكر أني نظرت إلى الساعة فلاحظت أنه بعد ساعة وخمس وعشرين دقيقة سيصبح عمري أسبوعين، وتفكرت في الأمر الذي فعلته لأستحق هذه البركات التي تحيطني.
قال أبي: إبراهيم اسم جميل، كان اسم جدي إبراهيم.
قالت أمي: إبراهيم اسم جميل، جميل جدًا، لنجعل إبراهيم جزءاً من اسمه المركب.
قلت: إبراهيم يناسب من لا اسم له -أنا-.
غضب أبي، وبدت أمي سعيدة، قالت خالتي: يا لطافة حبيبي الصغير!
قال أبي: إسحاق اسم جيد وكذلك يعقوب.
وافقته أمي فقالت: لا اسم يضاهي هذه الأسماء، دعنا نضيف إسحاق ويعقوب إلى اسمه المركب.
قلت: هيا إذن، فإن إسحاق ويعقوب يناسبانكم جدًا. هلا مررتم لي الخشخيشة لو سمحتم، فإني لا أستطيع عض الحلقات المطاطية طوال اليوم.
لم يكتب أحد هذه الأقوال في مذكرات للعلن. فنشرتها أنا، فعلتها بنفسي، وإلا كانت قد ضاعت فعلًا. كنت بعيدًا كل البعد من أن أحصل على تشجيع مثلما يحصل عليه الأطفال وقت نموهم الثقافي، والآن أبي غاضب مني، وتبدو أمي حزينة وقلقة، وحتى خالتي بدا على وجهها هالة بأنها تظن أنني تماديت. عضضت الحلقة المطاطية بوحشية، وكسرت الخشخيشة على رأس القطة خفية، لكنها لم تقل شيئًا. في تلك اللحظة قال أبي: صموئيل اسم ممتاز جدًا.
أحسست بالمشكلة قادمة، ولا أحد يستطيع منعها. أنزلت خشخيشتي وعلى جانب المهد رميت ساعة خالي الفضية، وفرشاة الملابس، ودمية الكلب، وجنديي المصنوع من الصفيح، ومبشرة جوز الطيب، وأشياء أخرى اعتدت على فحصها وتأملها وإحداث ضجيج جميل معها، وأن أحدث معها جلبة وأضربها وأكسرها إن احتجت إلى تسلية. ثم ارتديت لباسي واعتمرت قبعتي، وأخذت حذائي الضئيل في يد وعرق السوس في الأخرى، ثم قفزت على الأرض، وقلت في نفسي: إن الطين سيزيد بلة وأنا مستعد. ثم قلت بصوت عال وصارم: أبتاه، لا أستطيع، لا أستطيع حمل اسم صموئيل.
-بني!
أبتاه، إني أعني ما أقول لا أستطيع.
-لماذا؟
– أبتاه، لدي كراهية لا تقهر تجاه ذلك الاسم
– بني، كلامك غير منطقي، فالعديد من الرجال العظماء والرائعون اسمهم صموئيل.
– سيدي، إنها المرة الأولى التي أسمع بها هذا الاسم
– ماذا! كان هناك الرسول صموئيل، ألم يكن رجلًا عظيمًا وصالحًا؟
– ليس بكثير
– بني! إن الله كلمه تكليما!
– نعم، يا سيدي، واضطر ليناديه عدة مرات حتى سمعه!
بعدها أطلقت قدمي للريح ولحقني ذلك الرجل العنيد الكبير. أخذني في مساء اليوم التالي وعندما انتهت المقابلة سُميت بصموئيل، وتلقيت هزيمة ومعلومات مفيدة. وبالوصول إلى هذه التسوية توارى غضب والدي، وذهب الشقاق الذي كان بيننا الذي كان سيصبح شقاقًا دائمًا لو اخترت ألا أكون عقلانيًا. وفقط بالحكم من هذه الأزمة، ماذا سيفعل بي أبي إن تفوهت على مسمعه مقولة من الأقاويل المريضة والسطحية التي يتفوه بها أطفال “السنتين” كتابيًا في هذه الأيام؟ برأيي لشهدت عائلتنا حالة قتل وليد.