الرعب, غموض

ليلة صيفية

  • الكاتب: أمبريوس بيرس
  • ترجمة: هناء القحطاني
  • تدقيق: أبي أسامة التميمي

1

يبدو أن حقيقة دفن هنري أرمسترونغ لم تكن دليلاً كافياً بالنسبة له على أنه ميت، فلطالما كان رجلاً يصعب إقناعه، لكنه دُفن حقيقة فشهادة جوارحه تجبره على الإذعان وتقبل الأمر.

وضعيته – مستلقياً على ظهره بيدين مشبوكتين فوق بطنه، ومربوطًا بشيء استطاع كسره دون تغيير لحالته- والتقييد المحكم لجسده، والصمت المدقع، والظلام الدامس حوله كانت جميعها أدلة دامغة من الصعب إنكارها، جعلته يرضخ في نهاية المطاف، لكنه لم يتقبل موته بقدر تقبله لفكرة أنه مجرد مريض، ولم يقلقه القَدَرُ الغريب الذي قُسِم له.

لم يكن هنري أرمسترونغ فيلسوفاً، لقد كان مجرد شخصاً عاديًا غير مبالٍ -حيث كان العضو الوحيد الذي خشي عواقبه متعفنًا- لذلك دون اكتراث بالمستقبل، غط في نوم عميق بوجهٍ ارتسمت فيه علامات السلام.

لكن أمراً ما كان يحدث فوق رأسه، لقد كانت ليلة صيفية حالكة السواد، تخللتها ومضات برق متقطعة لمعت بصمت، وسحابة منخفضة في الغرب تنذر بقدوم عاصفة.

 أبرزت هذه الومضات المتقطعة معالم المقبرة وشواهد القبور حتى بدت كأنها ترقص!

كانت ليلة مرعبة فلم تكن من الليالي التي قد يتجول فيها أحد حول المقبرة، لذلك أحس الرجال الثلاثة الذين كانوا في المقبرة – يحفرون قبر هنري أرمسترونغ- بالفزع.

اثنان منهم كانا طالبي طب في كلية الطب التي تبعد أميالاً عن المقبرة، فيما كان الرجل الثالث زنجيًا عملاقًا يدعى جيس. 

تولى جيس كل أعمال المقبرة لسنوات عديدة، حتى أصبحت المزحة المفضلة بالنسبة له هي أنه يعرف كل روح في هذا المكان، لذلك يمكن الاستنتاج من طبيعة ما يقوم به، بأن المكان لم يكن مزدحمًا كما تُظهر السجلات.

وفي زاوية بعيدة خارج أسوار المقبرة رُكن حصان وعربة صغيرة.

2

لم يُعانِ جيس كثيرًا في النبش، فلم تقاوم الأرض الندية التي رُدِمت قبل بضع ساعات وبسرعة لفظت ما بداخلها. ورغم أن استخراج التابوت من الضريح كان صعبًا إلا أن المهمة تمت على أكمل وجه.

فك جيسي التابوت وأزاحه جانبًا، كاشفًا عن جسد بسروال أسود وقميص أبيض. وفي تلك اللحظة هبت عاصفة من اللهب، وهز هزيم الرعد القوي أرجاء المكان، فيما انتصب هنري أرمستونغ بهدوء.

بصرخة لم يسمع لها مثيل، فر الرجلان في رعبٍ في اتجاهين مختلفين. لم يكن هناك شيءٌ في هذا العالم قد يجعلهما يعدلان عن الفرار، لكن جيس كان من فصيلة أخرى!

في صباح اليوم التالي، تقابل الطالبان في كلية الطب، وقد اعتلى الشحوب والإعياء وجهيهما نتيجة للمغامرة التي عاشاها وما زالت تعصف بصخب داخلهما.

صرخ الأول: “هل رأيت ذلك!”

فأجاب الثاني: ” بالطبع! ما الذي سنفعله الآن؟

ذهب الطالبان خلف المبنى، حيث رأيا حصانًا بعربة صغيرة، مربوطا في بوابة قريبة من غرفة التشريح، وعلى الفور دخلا الغرفة حيث كان الزنجي جيس جالساً ينتظرهما في مقعد في الظلام.

 وقف جيس فور رؤيتهما مبتسمًا بعيون وفمٍ مفتوحين على اتساعهما، وصرخ قائلًا: أين نصيبي؟

كانت جثة هنري أرمسترونغ العارية ممددة على طاولة قريبة، برأس مشجوجٍ مغطى بالدم والطين جراء ضربة مجرفة!


الإعلان

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s