غموض

لعنة اللورد أوكهورست

  • الكاتب: أو هنري
  • الترجمة: هناء القحطاني
  • التدقيق: أبو أسامة التميمي

يرقد اللود أوكهورست على فراش الموت في غرفة بلوط عتيقة في الجناح الشرقي لقلعة أوكهورست.

هب نسيم عليل يحمل عبير زهور البنفسج المتفتحة من خلال النافذة المفتوحة في ذلك المساء الصيفي الهادئ؛ وأحس الرجل المُحتضر بجمال الأرض وسحرها لأول مرة صبيحة آخر يومٍ في حياته. حامت زوجته اليافعة – التي أحبها بشدة إلى درجة أن الموت ذاته لن يستطيع تغيير هذا الحب- حول الغرفة تنوح وتندب حزنًا عليه. كانت تعدل وسادته بين الفينة والأخرى، وتسأله بصوت رخيم وحزين إذا كان هناك شيء تستطيع فعله لإراحته؛ فيما راحت تأكل قطعة شوكولاتة حملتها في جيب مئزرها.

تنقّل الخدم في أرجاء المنزل بخُطًا خافتة – ذات الخُطا التي تسود عادةً في المنازل التي يكون فيها الموت ضيفًا متوقعاً- فحتى صوت قرقعة الأطباق الصينية وجلجلة الأكواب التي تعلن اقتراب قدوم الخدم، كان وقعها على الآذان أقل صخبًا وضجيجاً من المعتاد. 

كان اللورد أوكهورست مشغول البال؛ يفكر في الأيام الخوالي عندما فاز بود زوجته الجميلة اليافعة التي كانت وقتها فتاة جذابة وبريئة. ثارت هذه المشاهد في ذاكرته بوضوح جلي. بدا الرجل كأنه واقفٌ مرةً أخرى في بستان الكستناء القديم، حيث تبادلا نذورهما عند الغسق تحت بريق النجوم، بينما هب النسيم حاملاً معه عبير أزهار الروز النادرة، ورائحة طعام العشاء. هنا حيث أخبرها بحبه لها، وكيف أن سعادته وفرحته المستقبلية مرهونة في فوزه بها كعروس، وأنها إذا ما عهدت مستقبلها له فإنه سيوف يَهَبُ لها حياتَه. جلّ ما فكر به حينها هو أن يمنحها حياة طويلة مليئة بالفرح. 

تذكر بوضوح ترددها في بادئ الأمر – بخجل صبياني- وغمغمتها: ” عجوز أصلع”، ولكن عندما أخبرها بأن حياته بدونها ستكون بلا معنى، وبأن دخله في السنة كان حوالي 50,000 جنيه إسترليني، رمت بنفسها بين أحضانه وتشبثت – كتشبث قرادة على ظهر بعير- قائلة بعيون تملؤها دموع الفرح: أنا لك يا هنري”. 

وها هو اليوم يحتضر، ففي بضع ساعات سيزوره ملك الموت ويأخذ روحه، تاركا وراءه ضعفه وفقره وكل شيء ينتمي لهذه الأرض الفانية، وسيمضي إلى أرض المجهول الباهتة والمُفزعة، ويحل بيقين اللغز الذي حير الأحياء.

2

 وصلت عربة على عجالة فناء المنزل وتوقفت أمام الباب. ترجل الطبيب اللندني الشهير السيد إيفرهارد فيتز ارموند من العربة، وصعد بسرعة العتبات الرُخامية تلبية للنداء الذي تلقاه. 

استقبلته السيدة أوكهورست عند الباب وكان القلق والحزن يملأ تعابير وجهها الجميل: “أوه، سيد أفيرهارد، أنا مسرورة بقدومك؛ فيبدو أن حالته تسوء سريعًا. هل أحضرت كريم الجوز الذي طلبته في الرسالة؟

سلمها الرزمة دون أن ينبس ببنت شفة، ورمى قطعتي قرنفل داخل فمه، ثم صعد الدرج حيث غرفة السيد أوكهورست متبوعًا بالسيدة أوكهورست. 

اقترب السيد أفيرهارد من سرير مريضه، ثم وضع يده برفق على جبهة المريض؛ غطت موجة من المشاعر المصطنعة على مهنيته، وقال برزانة: أسلمَ زوجكِ الروح يا سيدتي”.

 لم تستوعب السيدة أوكهورست لهجته الرسمية في الوهلة الأولى، ورطبت فمها الجميل بقليل من كريم اللوز.

ولكن في اللحظة التي أدركت فيها الأمر، انتزعت فأساً اعتاد زوجها على وضعه جانب السرير لتعذيب خدمه وحطمت خزانته التي تحتوي على أوراقه السرية، وبتلهف شديد فتحت الوثيقة التي وجدتها، ثم صرخت صرخةً مدوية – كادت تصم الأرض ومن عليها- وسقطت على الأرض مغشيًا عليها.               

التقط السيد أفيرهارد الوثيقة وقرأ محتواها؛ كانت وصية اللورد أوكهرست، تبرع فيها بكل ثروته لصالح مؤسسة علمية تُعنى باختراع الوسائل التي من شأنها استخراج نبيذ الخوخ من نشارة الخشب.

 ألقى نظرة سريعة حوله؛ لم يكن هناك أحد على مرمى نظره، ورمى الوصية، ثم أخذ يلتقط بعض الحُلي الثمينة، وعينات نادرة من زخارف الذهب والفضة من الطاولة الرئيسية ويضعها في جيوب بنطاله، ثم قرع الجرس مناديًا الخدم.

3

اللعنة

نزل السير أفيرهارد فيتزارموند من درج قلعة أوكهرست ثم خرج نحو فناء المنزل الذي يؤدي إلى البوابات الحديدية الضخمة. كان اللورد أوكهورست رياضيا كبيراً خلال حياته، ولطالما احتفظ بمجموعة كلاب صيد مدربة في فناء منزله. انقضت الكلاب فوراً من مخبئها بنباح عنيف، وهجمت على الطبيب غارزة أنيابها في أطرافه السفلية وممزقة ثيابه.

أخرجت هذه اللعنة الفظيعة والتجربة المريعة السيد أيفرهارد من وقاره المهني وعدم مبالاته المعتادة بمعاناة البشر وأطلق ساقيه للريح باتجاه عربته وقادها عائدًا للمدينة.


الإعلان

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s