جريمة

المسن المخيف

  • الكاتب:هوارد فيليبس لافكرافت
  • ترجمة: لمياء يوسف
  • مراجعة: هناء القحطاني
  • تدقيق: أبي أسامة التميمي

خطط الثلاثي  انجيلو ريتشي و جو زانك ومانول سيلفا لاقتحام منزل مسن مخيف.

يقطن هذا المسن وحده في منزل عتيق يقع على قارعة طريق مائي بجانب البحر ، وعُرف عنه غناه الفاحش إلى جانب وهنه وعجزه، مما جعله طريدة سهلة وجذابة لرجالٍ يمتهنون السرقة، ولم يكن ريتشي وزانك ومانويل إلا عينة من أولئك اللصوص.

اعتاد سكان هذه البلدة الحديث والتفكير في أشياء عادة ما تبقي المسن في مأمن من انتباه اللصوص أمثال ريتشي وزملائه، باستثناء الحقيقة المحتومة التي تؤكد أن لهذا المسن ثروة طائلة مخبأةً في مكان ما في إحدى زوايا منزله البالي.

بالحديث عنه، فهو مُسن غريب الأطوار، يُعتقد بأنه كان قبطاناً لسفن تجارية في الهند الشرقية. هرِمٌ إلى درجة أن لا أحد يتذكر شبابه، وكتومٌ إلى حد أن قلة قليلة تعرف اسمه.

احتفظ المسن بمجموعة من الأحجار الغريبة – بين الأشجار المتشابكة في مقدمة فنائه- كبيرة الحجم وموضوعة عشوائياً ومطلية برسوم تمثل آلهة بعض المعابد الشرقية.

لطالما أرعبت هذه الصخور الأطفال الذين أحبوا التهكم بالعجوز بخصوص شعره الطويل الأشيب ولحيته الشعثاء إلى جانب امتهان بعض هؤلاء الفتية تحطيم نوافذ العجوز الزجاجية بعدة قذائف كريهة.

لكن هناك العديد من الأشياء التي أرعبت كبار القوم الفضوليين أيضًا الذين عادة ما يسترقون النظر من خلال النوافذ المُهملة.

وقد وصف أحد هؤلاء الرجال إحدى الغرف التي شاهدها بأنها مجردة من كل شيء، باستثناء بعض الزجاجات التي تحوي بداخلها خيطاً صغيراً معلقاً به رقاص الساعة.

يقال أيضا بأن المسن يخاطب هذه الزجاجات بعدة أسماء مثل جاك، وذي الندبة، وتوم الطويل والأسباني جو وبيترس والزميل أليس، وفي كل مرة يخاطبهم فيها تهتز هذه الزجاجات بنغمة واضحة أشبه ما تكون ردا على كلام المسن.

هؤلاء الذين تسنى لهم رؤية المسن المخيف الطويل والهزيل يخوض هذه المحادثات لم يعاودوا القدوم مجددًا.

لكن في حالة انجيلو ريتشي وجو زانك ومانول فإن الأمر مختلف، فهم ليسوا من سكان المنطقة، وإنما مجموعة من الغرباء بعيدين كل البعد عن عالم نيوانجلند الساحر وتقاليدها المتوارثة، فلم يتراء لهم من هذا المسن إلا ترنحه ويديه المرتعشة بشكل يرثى له وعجزه الشديد الذي لم يمكنه من المشي سوى عصاه المعقودة.

شعروا بالأسف الشديد تجاه هذا المسن الوحيد والمنبوذ الذي لم يسلم حتى من الكلاب التي عادة ما تنبح في وجهه. ولكن العمل عمل، فاللص ضميره مرهون بمهنته وهناك إغراء عظيم صادر من ذلك المسن الذي لا يملك حسابا في المصرف، ويدفع لضرورياته البسيطة بقطع ذهبية وفضية عتى عليها الزمان.

اختار هؤلاء السادة ليلة الحادي عشرة من شهر أبريل لأداء مهمتهم، وزع الثلاثة المهام بينهم، فقد ذهب السيدان ريتشي وسيلفا للتحقيق مع المسن الفقير بينما بقي السيد زانك في انتظارهما داخل سيارة مغطاة مركونة عند البوابة الخلفية لمنزل العجوز، متمنيا تجنب أي تبريرات غير ضرورية في حالة ظهور أحد عناصر الشرطة.

بدأ الثلاثي مهمتهم فرادى حتى يتقوا شر أي متطفل، تماماً كما خططوا.ِ

تقابل ريتشي وسيلفا عند منتصف الطريق أمام بوابة المسن فور وصولهم لمحوا ضياء القمر على الأحجار المطلية والمتناثرة بين الفروع الناشئة للأشجار المتشابكة، ولكنهم تجاهلوا الأمر، فلديهم أمور أخرى أجل وأهم من مجرد بعض الخرافات التي لا طائل منها.

توجسوا من فكرة إكراه المسن على الإفصاح عن كنوزه المخبأة، فقد عُرف عن أمثاله من البحارة المسنين فسادهم وعنادهم الشديد؛ مع ذلك فهذا المسن واهن للغاية وبمفرده بينما خصمه لسيدان ريتشي وسيلفا رجلان ضليعان في مسألة تحويل أكثر الناس مقاومة وعناداً إلى أكثرهم فصاحة، فصرخات مسن واهن وجليل من السهل للغاية حبسها.

تحركوا إلى إحدى النوافذ المضاءة وسمعوا صوت المسن وهو يتحدث بطريقة طفولية إلى زجاجاته، ارتدوا أقنعتهم وطرقوا بأدب على الباب الصدئ المصنوع من خشب البلوط.

في مكان آخر تململ السيد زانك على مقعد سيارته المركونة في أثناء انتظاره الذي بدا طويلا للغاية. كان يميل إلى أن يكون أكثر الثلاثة رأفة ورحمة فالصرخات الشنيعة التي صدرت من البيت العتيق بعد مرور ساعة فقط من بدء المهمة جعلته يقشعر في مكانه.

ألم يخبر رفاقه بأن يتساهلوا قدر استطاعتهم مع القبطان المسن المثير للشفقة؟

نظر بقلق شديد إلى الباب المحاط بأشجار اللبلاب المتسلقة ثم عاود النظر لساعته مراراً وتكراراً وتساءل عن سبب تأخر رفاقه كل هذا الوقت.

هل قضى المسن نحبه دون أن يفصح عن كنوزه المخبأة؟ وهل التنقيب الشامل عن هذه الكنوز أصبح أمراً محتوماً؟

كره الانتظار الطويل في هذا المكان المعتم.

بعدها بمدة أدرك صوتاً خافتاً لخطوات نعل داخل البوابة، ثم أحس بحركة المزلاج الصدئ، ورأى بعدها الباب الضيق والثقيل يتأرجح للداخل، شعر عندها بالحماسة ترقباً لرؤية رفاقه وغنيمتهم من ذلك المنزل المشؤوم، ولكن عندما نظر عن كثب رأى ما لم يكن في الحسبان، فرفاقه لم يكونوا على مرأى بصره، بل الرجل المسن وحسب. كان يميل ببطء على عصاه ويبتسم ابتسامة مخيفة، حيث لم يلحظ لون عيني المسن التي كانت صفراء إلا الآن.

توهج بشحوب أحد مصابيح الشارع عاكساً صورة مخيفة للمنزل الملعون الذي لاح بالأفق خلف المسن المرعب.

حتى أبسط الأشياء تسترعي انتباه القرويين عادة، فكيف برؤية ثلاثة جثث جرفها المد ومزقتها السكاكين إرباً إرباً ونثرت كعوب الأحذية أشلاءها بعيدا فهذا الأمر بحد ذاته استغرق مدة الصيف والربيع بأكملها للحديث عنه.

فحتى مع هذا المصاب الجلل، ناقشوا بعض الأمور التافهة المتعلقة به، مثل مشهد السيارة المهجورة على قارعة الطريق أو سماعهم صرخات وحشية قد تنتمي لحيوان ضال أو طير مهاجر.

مع كل هذا الثرثرة في هذه البلدة النائية لم يجذب المسن الكتوم انتباهه شيءٌ ولم يهتم بذلك. لقد ظنوا أن هذا القبطان الخرف شهد العديد من الأمور المثيرة في شبابه الغابر، لذلك فإن كل هذه الجلبة لم تعد تعني شيئا بالنسبة له.


الإعلان

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s