جريمة, غموض

لاسلكي

هذه القصة نالت على المركز الثاني في مسابقة أقصوصة لترجمة القصص القصيرة

  • الكاتبة: اجاثا كريستي
  • المترجمة: خلود اليحيا

خضعت ماري هارتر -وهي سيدة في خريف السبعينيات من عمرها- لاستشارة من طبيبها والذي بدوره أخبرها بوجود بعض الضعف في قلبها وعلى إثر ذلك أسدى لها النصح بأن تتجنب بذل أي مجهود لا ضرورة له ما استطاعت لذلك سبيلا من أجل ضمان عيْش عدة صفحات أخرى من كتاب حياتها. ويقدح الطبيب زناد الحديث والنصح صوب سمع ابن أخ السيدة ماري هارتر -الذي تعتبره أليف قلبها والأحب إليها- واضعًا في ذهنه بأنه يتحتم على السيدة هارتر أن تلتهي بكل ما هو مبهج وسارّ لتتفادى الوقوع فريسةً في شِباك الاكتئاب. وسعيًا لتحقيق هذه النصيحة ما برح تشارلز يقنع عمته لتمتلك مذياع، بيد أنها لم تنفك تقاوم رافضةً الفكرة في بداية الأمر، لكنها ما لبثت إلا أن باتت في نهاية المطاف تستمتع بالبرامج التي يتم بثها عبر المذياع.

ذات مساء بينما كان تشارلز خارجًا مع رفاقه، فإذا بالمذياع يصدر صوت زوجها الراحل باتريك مخترقًا حاجز سمعها قائلًا لها بأنه آتٍ إليها في القريب العاجل، وبرغم ارتعاد فرائصها وذهولها -بطبيعة الحال- إلا أنها بقيت رابطة الجأش مُسرفة في تفكير عميق الأغوار.

وبعد بضعة أيام، بث المذياع رسالةً مماثلة لسابقتها، فتزمع السيدة العجوز التأكد من أن جلّ أمورها تجري في مجاريها الطبيعية وتتيقّن من أن عاملتها إليزابيث على معرفة بالمكان الذي تحتفظ السيدة هارتر بعريضة الدفن فيه، وكذلك توطّد العزم على زيادة المبلغ الذي أودعته في أمانتها ليستحيل من خمسين جنيهًا إلى مئة! ولتحقيق هذا كله فقد كتبت لمحاميها ملتمسةً منه أن يرسل الوصية التي بحوزته.

ذات يوم وفي وقت الغداء على وجه التحديد، بدت السيدة هارتر وجِلةً مشدوهة حينما أدلى تشارلز بالخبر قائلًا لها: أنه عندما كان يقود سيارته مساء الأمس قافِلا باتجاه البيت قد ساورته الظنون بأنه لمح وجهًا في نافذة الطابق العلوي وأدرك بعد ذلك بأن الوجه الذي تناهى إلى مرآه كان يشبه صورةً لـ باتريك هارتر قابعةً في غرفة قليلة الاستخدام! فأيقنت الأرملة بأن هذا ما هو إلا دليل إضافي يبرهن لها بأن حتفها يدنو منها!

سمعت السيدة هارتر مجددًا رسالة عبر المذياع تحمل صوت باتريك مفادها أنه قادم إليها عندما تشير الساعة للتاسعة والنصف من مساء يوم الجمعة، فطفقت تدوّن ملاحظة تفصّل فيها ما تناهى إلى سمعها لتجعلها كدليل بأنها إن أفلتت حبل الحياة في ذلك الوقت فإن تلقّيها رسائلا من الآخرة يبدو أمرا طبيعيّا! فأعطت هذه الملاحظة لإليزابيث لتسلمها هي بدورها للطبيب في حال قضت السيدة هارتر نحبها.

وفي ليلة الجمعة المنشودة كانت السيدة هارتر جالسة في حجرتها بينما كان المذياع في وضع التشغيل وكانت تقرأ الوصية المستكينة على يدها بكل تمعّن، وذلك بعد أن تم سحب خمسين جنيهًا من البنك لإليزابيث من أجل إتمام المبلغ الوارد في المستند. فلم تلبث حتى تسلل نحو أسماعها ضجيج خُطى أقدام آتٍ من خارج الغرفة فإذا بأقدامها تتزعزع من تحتها لتُسقِط ما بيدها فور رؤيتها للباب يهتز ليُفتح لترى أخيرًا زوجها -ذو الشعر الأشيب- منتصبًا بقامته أمامها! فتداعت وتهاوت على الفور، لتجدها إليزابيث مفارقة للحياة بعد مُضيّ ساعة.

وبعد يومين من الحادثة ذهبت العاملة إليزابيث للطبيب لتسلمه ملاحظة السيدة هارتر والذي بدوره ارتأى أن سبب الوفاة كان بفعل الهلوسة.

لكن تشارلز لا يرغب بتاتًا بأن تُبَدد جهوده الآن بعدما تجلّى له أن خطته توشك أن تؤتي ثمارها أخيرًا، وذلك بعد أن فصل سلك المذياع الموصول بحجرة نومه وتخلص من الشعر المستعار الذي كان يضعه ليلة وفاة عمته ليتبين لنا أنه فعل ذلك كله في سبيل الانفراد بورث أموال عمته نظرَا لحاجته الملحّة للمال ليدرأ عن نفسه شر السجن المستطير الذي يهدد حريته نتيجة أعماله المشينة!

بيد أن تشارلز تلقى الصدمة ساعة اتصاله بمحامي عمته إذ اخبره هذا الأخير بأنه وضع الوصية على جثمان السيدة الميتة بناءً على طلبها؛ ليدرك تشارلز بأن العثور على الوصية بين أوراق السيدة هارتر بات أمرًا مستحيل الحدوث بعد الآن، وأن الوصية أُفلتت من بين يديّ السيدة هارتر فور سقوطها جثة هامدة لتلتقفها ألسنة النار، إذ لا وجود لنسخة أخرى من الوصية السابقة مما يجعلها هي الوحيدة المشرعة قانونيًا، وكان هذا من شأنه أن يجعل ثروة السيدة هارتر من نصيب ابنة أخيها -وابنة عم تشارلز- في الوقت عينه والتي تدعى مريم التي كانت قد أقرّت بعدم رضاها عن زواج عمتها برجل لا يستسيغه فؤادها.

بل وحلت الصدمة الثانية على تشارلز كالصاعقة عندما تحدث معه الطبيب هاتفيّا ليضع نصب عينيه نتائج تشريح الجثة التي تبرهن أن قلب عمته كان في حالٍ أسوأ مما كان يعتقد وأنه كان من المستحيل أن تتشبث بالحياة أكثر من شهرين كحد أقصى، ليستوعب في نهاية المطاف بأنه لم يكن بحاجة لإعداد حيلته المدروسة المعقدة تلك منذ البداية!


الإعلان

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s